في مشهد مأساوي يعكس عمق الأزمة الاقتصادية اليمنية، سجل الدولار الأمريكي فجوة سعرية صادمة بلغت 1083 ريال يمني بين عدن وصنعاء مع افتتاح ديسمبر 2025، وهذا يعني أن المواطن في عدن يدفع أكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه نظيره في صنعاء للحصول على الدولار الواحد، ففي بلد واحد بعملة واحدة، تحولت الجغرافيا إلى مصيدة مالية تبتلع مدخرات اليمنيين يومياً.
حالة من القلق
تشهد محلات الصرافة في عدن طوابير طويلة من المواطنين القلقين، حيث يتراوح سعر الدولار بين 1618-1620 ريال للشراء و1629-1633 للبيع، بينما في صنعاء لا يتجاوز السعر 535 ريال للشراء و540 للبيع، وتقول أم محمد من عدن، وهي تحتضن حقيبة أموالها بقوة: “لم أتصور أن أعيش لأرى عملتنا تنقسم هكذا، كأننا نعيش في دولتين مختلفتين”، هي تريد إرسال مصروف ابنها الطالب في صنعاء، لكن التكلفة باتت تفوق قدرتها، ويحذر الخبير الاقتصادي د. علي الحكيمي: “نحن أمام كارثة نقدية حقيقية تهدد النسيج الاقتصادي للبلاد”.
تاريخ طويل من الأزمات
هذه الفجوة ليست وليدة اليوم، بل تراكمت عبر سنوات من الانقسام السياسي والاقتصادي منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2014، فتم انقطاع الروابط المصرفية بين شمال وجنوب البلاد، إضافة إلى سيطرة جهات مختلفة على المناطق، مما خلق بيئة مثالية للمضاربات الجنونية، ويصف محمد التاجر الذي يعمل بين المحافظتين الوضع قائلاً: “أشعر وكأنني أتاجر بين دولتين مختلفتين، الأسعار تتغير كالطقس والخسائر محققة”، وتشير المقارنة التاريخية إلى تشابه مع انقسام ألمانيا النقدي بين الشرق والغرب، لكن مع فارق أن اليمن يفترض أنه دولة واحدة موحدة.
واقع مرير للعائلات
يعيش المواطن اليمني العادي كابوساً يومياً، فالعائلة التي تحتاج تحويل 100 دولار من عدن إلى صنعاء تخسر ما يعادل راتب موظف حكومي لأسبوعين كاملين فقط بسبب فرق السعر، وهذا الواقع المرير يدفع الآلاف لتأجيل أو إلغاء خطط مهمة مثل الدراسة أو العلاج أو حتى الزواج، وتواجه الأسر محدودة الدخل خيارات مستحيلة: إما قبول الخسارة الفادحة أو التخلي عن احتياجاتها الأساسية، ويُتوقع من الاقتصاديين تفاقم هجرة الأدمغة والاستثمارات، مما يعمق الأزمة أكثر فأكثر، حتى المغتربون اليمنيون باتوا يترددون في إرسال تحويلاتهم لعائلاتهم خوفاً من “الضياع في المتاهة النقدية”.
المستقبل الغامض
مع استمرار هذه الفجوة الجنونية، يقف اليمن على مفترق طرق خطير: إما العمل السريع لتوحيد النظام النقدي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو الانزلاق نحو انهيار كامل قد يؤدي لاعتماد عملات أجنبية والتخلي نهائياً عن الريال اليمني، والسؤال المؤلم الذي يؤرق كل يمني اليوم: متى ستنتهي معاناة شعب كامل مع عملته المنقسمة، وهل سيبقى للريال اليمني مستقبل في بلد واحد موحد؟
