لماذا قامت الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار في وقت تشير فيه كافة المؤشرات العالمية إلى انخفاض أسعار النفط، وتم تسجيل تراجع لسعر الدولار أمام الجنيه؟ تساءل الكثيرون: كان من المفترض أن تنخفض الأسعار، لا أن ترتفع، بينما رأى آخرون أن الأمر له علاقة باتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأن الدعم سيلغى. لكن، ما هي الحقيقة؟ وما الأسباب وراء هذا القرار؟ دعونا نستعرض الصورة بوضوح. الحكومة قررت زيادة أسعار البنزين والسولار بمقدار جنيهين للتر، أي بزيادة تتراوح بين 10% و13%، مما جعل الناس تتساءل: لماذا يحدث هذا في ظل انخفاض أسعار النفط وتحسن الجنيه؟ ولكن، الحقيقة أن الموضوع أكثر تعقيدًا بكثير.
هيكل تسعير البنزين في مصر
أول شيء يجب أن نفهمه هو أن الحكومة في مصر لا تسعر البنزين وفقًا لسعر برميل النفط الحالي، بل يتم تحديد الأسعار من خلال لجنة تعرف بلجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، التي تحتسب الأسعار بناءً على: • متوسط سعر النفط خلال آخر 3 أشهر. • سعر صرف الجنيه مقابل الدولار. • تكاليف النقل والتكرير والتوزيع. • والأهم… خطة الدولة لرفع الدعم تدريجيًا. لذا، حتى لو شهدنا تراجعًا مؤقتًا في سعر النفط أو تحسنًا للجنيه، فإن ذلك لا يؤثر فوريًا، لأن المعادلة تعتمد على متوسط فترة زمنية، وليس لحظة واحدة. فما هي إذن الأسباب وراء زيادة الأسعار في هذا التوقيت بالذات؟
أسباب رفع الأسعار
توجد أربعة أسباب رئيسية وراء هذا القرار: أولًا الالتزامات مع صندوق النقد الدولي، حيث تلتزم مصر بتحرير أسعار الطاقة بالكامل بنهاية 2025، مما يعني أن الحكومة تسير على طريق واضح: تدريجيًا، يتم إزالة الدعم وصولًا إلى سعر السوق الحقيقي. وقد تم تقليل الدعم في موازنة السنة الحالية بشكل كبير، من 154.5 مليار إلى 75 مليار فقط، مما يعكس عزم الدولة على تقليص دعم الطاقة. ثانيًا، مديونيات قطاع الطاقة، إذ تواجه شركات البترول مديونيات لشركات الكهرباء، والعكس صحيح، مما يعني أن المنظومة تعاني من تراكم ديون بالمليارات، لذلك تحاول الحكومة تقليل هذا العجز من خلال رفع الأسعار وتقليص الدعم. ثالثًا، تراجع الإنتاج المحلي، حيث لا يكفي إنتاج مصر من المشتقات البترولية، مما يدفعنا لاستيراد البنزين والسولار أو استيراد الخام لتكريره محليًا، ما يعني الاعتماد على الأسعار العالمية وسعر الاستيراد بالدولار، حتى مع وجود إنتاج محلي، فإن العديد من الشركات تعتمد على تسعير عالمي وليس مدعوم. رابعًا، التأثير المحدود لتحسن الجنيه، حيث تحسن الجنيه أمام الدولار مؤخرًا، ولكن تأثيره على تسعير الوقود محدود، لماذا؟ لأن كافة التعاقدات والتسعير تتم بالدولار، سواء في الاستيراد أو مع الشركات الأجنبية العاملة في مصر، بالإضافة إلى حاجة البنك المركزي للحفاظ على احتياطي نقدي كاف، مما يجعل تخفيض الاستيراد أو دعم الوقود مخاطرة على المدى البعيد.
التحديات الداخلية وتأثيرها
وبهذا، نجد أنه حتى مع انخفاض النفط عالميًا، فإن تكلفة الإنتاج في مصر لا تنخفض بشكل كبير، لأن جزءًا كبيرًا من المكونات مستوردة أو مسعرة بأسعار عالمية. وهكذا، قررت الحكومة رفع الأسعار ليس لأن الأوضاع العالمية جيدة، ولكن لأن التحديات الداخلية تفوق الوضع العالمي. نحن أمام معادلة صعبة، حيث يجري تنفيذ إصلاح اقتصادي يحاول معالجة تراكمات سنوات طويلة من الدعم والديون وضعف الإنتاج المحلي، ولكن في المقابل، المواطن هو من يدفع الثمن الأكبر، ومن هنا يتساءل الكثيرون: هل لدى الحكومة رؤية شاملة لزيادة دخل المواطنين وتحسين الخدمات، أم سنستمر في سماع عبارة “تحرير الأسعار” دون أن يشعر المواطن بتحسن في مستوى المعيشة؟