شهدت أسعار الذهب في الأسواق المحلية والعالمية خلال تعاملات اليوم الثلاثاء ارتفاعًا ملحوظًا، حيث سجلت مستويات قياسية غير مسبوقة، وذلك بدعم من تراجع الدولار وزيادة الرهانات على تبني الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية أكثر تيسيرًا، في وقت تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية على الساحة العالمية، وفقًا لتقرير صادر عن منصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات.
تحركات الأسعار محليًا وعالميًا
قال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، إن أسعار الذهب في السوق المحلي ارتفعت بما يقارب 50 جنيهًا خلال تعاملات اليوم مقارنة بختام تعاملات أمس، ليصل جرام الذهب عيار 21 إلى مستوى 5100 جنيه، وعلى الصعيد العالمي، زادت الأوقية بمقدار 42 دولارًا لتسجل 3785 دولارًا، بعد أن لامست قمة تاريخية جديدة عند 3791 دولارًا. أوضح إمبابي أن جرام الذهب عيار 24 سجل 5829 جنيهًا، وعيار 18 بلغ 4371 جنيهًا، بينما وصل جرام الذهب عيار 14 إلى 3400 جنيه، في حين استقر سعر الجنيه الذهب عند 40800 جنيه. وأضاف أن أسعار الذهب كانت قد ارتفعت خلال تعاملات أمس الإثنين بنحو 80 جنيهًا، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند 4970 جنيهًا واختتمها عند 5050 جنيهًا، بينما زادت الأوقية العالمية من 3685 دولارًا إلى 3748 دولارًا بزيادة بلغت 63 دولارًا.
العوامل المحركة للسوق
يترقب المستثمرون صدور مؤشر مديري المشتريات الأمريكي الأولي وكلمة جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في وقت لاحق اليوم، وهي عوامل من شأنها أن تمنح إشارات أوضح حول مسار أسعار الفائدة الأمريكية. وقد اخترق الذهب مستويات قياسية جديدة مدعومًا بتوقعات قوية بمزيد من الخفض في أسعار الفائدة، إلى جانب الطلب المؤسسي المتزايد. يظهر مؤشر CME FedWatch أن الأسواق تسعى للحصول على خفضين إضافيين للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا العام: أحدهما في أكتوبر بنسبة احتمال 90%، والثاني في ديسمبر بنسبة 73%. تعزز هذه التوقعات، إلى جانب التصاعد في التوترات الجيوسياسية بين روسيا والناتو، واحتدام الأوضاع في الشرق الأوسط، الطلب على الذهب كملاذ آمن.
السياسة النقدية وتصريحات الفيدرالي
صرّح رئيس الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، الأسبوع الماضي أن قرار خفض أسعار الفائدة الأخير كان خطوة لإدارة المخاطر، مشيرًا إلى عدم وجود ضرورة للتسرع في رفعها مرة أخرى، رغم استمرار مخاطر التضخم. وفي المقابل، ظهر توجه أكثر وضوحًا داخل الفيدرالي مع تعيين المحافظ الجديد ستيفن ميران، الذي دعا يوم الاثنين إلى تيسير نقدي حاد، محذرًا من أن البنك المركزي يُخاطر بفرض تشديد مفرط قد يلحق الضرر بأسواق العمل. ورغم معارضة بعض مسؤولي الفيدرالي لهذا التوجه، فإن تصريحات ميران عززت التكهنات بمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، خاصة مع تباطؤ بيانات التضخم الأخيرة. تراهن الأسواق على وتيرة أسرع للتيسير النقدي، حيث يتوقع المتعاملون أن تنخفض الفائدة قصيرة الأجل، التي تتراوح حاليًا بين 4.00% و4.25%، إلى أقل من 3% بنهاية عام 2026. أدى هذا الاختلاف بين تقديرات الفيدرالي وتوقعات السوق إلى تراجع الدولار من أعلى مستوى له في أكثر من أسبوع، مما قدم دعمًا إضافيًا للذهب.
بيانات وتدفقات استثمارية
ارتفعت حيازات صندوق SPDR Gold Trust بنسبة 0.60% لتصل إلى 1000.57 طن يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من ثلاث سنوات، مما يعكس تزايد الاقبال من المؤسسات الاستثمارية على المعدن الأصفر. كما سجلت الأسواق الهندية طلبًا قويًا على الذهب رغم الأسعار المحلية المرتفعة، حيث بلغت أقساط الذهب الفعلية في الهند أعلى مستوياتها في عشرة أشهر قبيل موسم الأعياد، مما يشير إلى مرونة استثنائية في الطلب.
المشهد الجيوسياسي
على الصعيد الجيوسياسي، تصاعدت التوترات بين روسيا وأوكرانيا مع تبادل الاتهامات بشن هجمات بطائرات مسيرة على مناطق مدنية، فيما اتهمت دول الناتو موسكو بانتهاك أجواء إستونيا وبولندا ورومانيا، وهي مزاعم نفتها روسيا. كما زادت حدة الصراع في الشرق الأوسط مع تصعيد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وحركة حماس، وسط تحذيرات أمريكية من تداعيات ضم الضفة الغربية.
التوقعات المستقبلية
تظهر المؤشرات أن العوامل الأساسية الداعمة للذهب لا تزال قوية، بدءًا من توقعات خفض الفائدة وتراجع العوائد الحقيقية، وصولًا إلى الطلب العالمي المرتفع والمخاطر الجيوسياسية. يُرجّح أن أي إشارة من باول نحو التيسير النقدي أو بيانات اقتصادية ضعيفة ستدفع الذهب لموجة صعود جديدة، مع بقاء الأوقية قريبة من حاجز 3800 دولار.