سجل الذهب مطلع سبتمبر/أيلول 2025 مستوى قياسيًا غير مسبوق، متجاوزًا 3500 دولار للأونصة، في ظل تزايد الإقبال عليه كملاذ آمن للمستثمرين، مع تصاعد المخاوف الاقتصادية المرتبطة بالحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وارتفاع الدَّين الأميركي، والتساؤلات حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
ووفق تقرير لوكالة بلومبيرغ، يعكس هذا التوجه الاستثماري المستمر المكانة التاريخية للذهب كأصل يحافظ على القيمة ويؤمّن السيولة في أوقات الاضطراب.
الذهب بين التأييد والنقد
لطالما اعتُبر الذهب ملاذًا للمستثمرين بسبب قدرته على الحفاظ على القيمة وسهولة تداوله، إلا أن هذه النظرة ليست محل إجماع، فالمستثمر الشهير وارن بافيت وصف الذهب في 2011 بأنه “أصل عقيم”، مشيرًا إلى أن امتلاك أونصة ذهب لا يولد إنتاجية أو دخلًا. غير أن الإقبال الحالي على الذهب جاء نتيجة عوامل متعددة، أبرزها:
- تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
- تراكم الدَّين الأميركي لمستويات قياسية أثارت القلق حول استدامة المالية العامة.
- الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لتخفيض أسعار الفائدة.
وأظهرت بيانات بلومبيرغ أن إجمالي حيازات الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب ارتفع في سبتمبر/أيلول إلى أعلى مستوى منذ يونيو/حزيران 2023.
دور البنوك المركزية
بدأت الموجة الصعودية للذهب مطلع 2024، مدفوعة بشراء كبير من البنوك المركزية، لا سيما في الأسواق الناشئة الراغبة في تقليص اعتمادها على الدولار الأميركي، ووفق مجلس الذهب العالمي، اشترت البنوك المركزية أكثر من ألف طن من الذهب في 2024 للعام الثالث على التوالي، لتشكل هذه المؤسسات نحو خُمس المخزون التاريخي للذهب. تسارعت وتيرة الشراء بعد غزو روسيا لأوكرانيا وتجميد الغرب للأصول الروسية، ما كشف هشاشة الاحتياطيات الأجنبية أمام العقوبات، ودفع العديد من الدول لتنويع مخزوناتها بالذهب، ورغم تباطؤ المشتريات مع ارتفاع الأسعار، ظل دور البنوك المركزية محوريًا في دعم الاتجاه الصعودي للذهب.
الطلب الشعبي في آسيا
يستمر الطلب التقليدي على الذهب في الهند والصين، حيث يعتبر اقتناء السبائك والمجوهرات تقليدًا ثقافيًا يرمز إلى الازدهار والأمان، تمتلك الأسر الهندية نحو 25 ألف طن من الذهب، أي أكثر من خمسة أضعاف مخزون فورت نوكس الأميركي، ما يوفر قاعدة سعرية قوية عند تراجع الإقبال المالي.
المخاطر والتحديات
رغم الزخم الصعودي، هناك عوامل قد تحد من ارتفاع أسعار الذهب، منها:
- تسوية محتملة للحرب التجارية.
- اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
- احتمال انخفاض احتياطيات الذهب لدى بعض البنوك المركزية، رغم أن المؤشرات الحالية لا توحي بذلك.
كما تواجه ملكية الذهب تكاليف إضافية تشمل التخزين والحماية والتأمين، إضافة إلى فروق الأسعار بين المراكز العالمية، فخلال العام، أدى الخوف من فرض رسوم جمركية على الذهب إلى ارتفاع العقود المستقبلية في بورصة نيويورك “كومكس” بشكل كبير عن الأسعار الفورية في لندن، ما دفع إلى سباق عالمي لنقل السبائك لتحقيق أرباح من الفروق السعرية. وتشير بلومبيرغ إلى أن حركة الذهب عالميًا معقدة، حيث تختلف مواصفات السبائك بين المراكز، في لندن، يعتمد معيار 400 أونصة، بينما تقتضي عقود “كومكس” سبائك بوزن 100 أونصة أو كيلوغرام واحد، ما يتطلب إعادة صهرها في مصافي سويسرا قبل شحنها إلى الولايات المتحدة، ما يخلق اختناقات عند زيادة الضغط على إعادة توزيع المخزونات.