«هل ينجح الجنيه في الحفاظ على قوته أمام الدولار رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية؟»

تباينت آراء الخبراء المصرفيين حول مستقبل الجنيه أمام الدولار، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، حيث يرى البعض أن العملة المحلية ازدادت صلابتها، ولن تتأثر بالتوجهات الجيوسياسية في المنطقة، في حين يرى آخرون أن هذه القلاقل قد تؤثر سلباً على سعر الصرف.

ارتفاع قيمة الجنيه

على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، حقق سعر صرف الجنيه أعلى مستوى له مقابل الدولار منذ عام، وذلك بدعم زيادة تدفقات النقد الأجنبي من السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، بالإضافة إلى الأموال الساخنة.

الجنيه يتجاوز التوترات

أكد محمد عبد العال، الخبير المصرفي، أن سعر الدولار أمام الجنيه سيظل متماسكاً، رغم التوترات في المنطقة، مشدداً على أن العملة المحلية لم تعد تتأثر كما كانت حالها في السابق، وبيّن أن السياسة النقدية الحالية متوازنة وتتحسب لأي تطورات جيوسياسية، عبر استباق سيناريوهات يُعدها البنك المركزي بالتنسيق مع وزارة المالية والبنوك.

وأضاف عبد العال أن الجنيه المصري استعاد عافيته، وأصبح أقوى، مستنداً إلى عوامل مهمة، منها وصول تحويلات المصريين بالخارج إلى 36.5 مليار دولار، وارتفاع الصادرات، بالإضافة إلى تدفقات قوية للاستثمار الأجنبي، والتي سجلت أحد الأشهر نحو 8.5 مليار دولار.

كما ساهم وصول الاحتياطي النقدي إلى نحو 49 مليار دولار، مما يغطي التزامات الدولة لمدة تسعة أشهر، وقوة صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي والبنوك التجارية، البالغة 18.5 مليار دولار بنهاية يوليو، بالإضافة إلى اتساع الفارق في العائد الحقيقي لصالح الجنيه بعد خفض الفائدة على الدولار، في تعزيز قوة العملة المحلية.

وأكد عبد العال أن البنك المركزي لا يتدخل بشكل مادي في سوق الصرف، بل يدعمها بعوامل نفسية، مثل خفض عمولة التدبير على العمليات الاستيرادية وإلغاء القيود على استخدام البطاقات بالخارج، وهو ما تزامن مع تراجع معدلات التضخم وتحسن المؤشرات الاقتصادية بشكل عام، مشيراً إلى أن سعر الصرف يُدار بآلية مرنة تخضع لقوى العرض والطلب.

وأشار إلى أن الجنيه أظهر مرونة ملحوظة في أبريل، عندما تراجع إلى 51.73 متأثراً بتصريحات أمريكية حول الرسوم الجمركية، قبل أن يستعيد توازنه بسرعة مع تراجع تلك السياسات، ولفت إلى أن صناع القرار استوعبوا دروس أزمة خروج الأموال الساخنة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ولذلك يتم إدارة هذه الأموال بمرونة مع الاحتفاظ بقدرة السداد الفوري، لتجنب أي صدمة محتملة للسوق.

وتوقع عبد العال عدم وجود فجوة تمويلية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في ظل زخم التدفقات النقدية والاستثمارات، ورجّح أن تحافظ لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعها القادم، لتجنب أي ضغوط تضخمية قد تنجم عن رفع أسعار الوقود.

وفرة الدولار في السوق

من جانبها، أكدت سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر الأسبق، أن تزايد التوترات الجيوسياسية قد يؤدي إلى ضغوط على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وأوضحت أن وفرة الدولار في السوق المصري تظهر بشكل واضح، وهو ما أسهم في تراجع سعره أمام الجنيه.

وعزت هذه الوفرة إلى تدفق استثمارات ضخمة في الفترة الأخيرة، وتحسن أداء قطاعات رئيسية مثل الصادرات والسياحة، التي يُتوقع أن تشهد دفعة قوية مع افتتاح المتحف الكبير، إذا استقرت الأوضاع الجيوسياسية، بالإضافة إلى استمرار تحويلات المصريين بالخارج.

وأضافت الدماطي أن السياسة النقدية الأمريكية كان لها أثر أيضاً، حيث أدت توجهات الفيدرالي الأمريكي نحو خفض الفائدة إلى إضعاف الدولار عالمياً، مما شجع صناديق الاستثمار على العودة إلى مصر والأسواق الناشئة بقوة.

وفيما يتعلق بتوقعات سعر الصرف، أكدت الدماطي أن التحليلات تظهر أن الجنيه قيمته أقل من قيمته الحقيقية، ما يعزز فرص تحسينه في الفترة المقبلة، وأشارت إلى أن المؤسسات الدولية تطرح توقعات متباينة حول سعر الدولار بنهاية العام، تتراوح بين 44.5 و45 جنيهاً، بينما توقعت شخصياً أن يصل السعر إلى نحو 47 جنيهاً للدولار بنهاية العام إذا استمرت الأوضاع الحالية دون حدوث تصعيد جيوسياسي.

وشدّدت على أن جميع هذه التوقعات الإيجابية تبقى مشروطة بعدم حدوث أي تطورات جيوسياسية مفاجئة، إذ إن وقوعها قد يغير جميع الحسابات الاقتصادية والمالية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *