«عمق الوقائع وتنوع الخيارات» قراءة تحليلية في السياق المغربي

بقلم الأستاذ: مصطفى المنوزي

يعيش المغرب، كباقي المجتمعات، تحت وطأة أحداث تعصف به بسرعة، مما يجعل التفكير في البدائل والحلول ضرورة لا تحتمل التأجيل، غير أن المشهد المغربي يتميز بخصائصه الفريدة، فهو يمزج بين استقرار نسبي يحول دون الانفجار، ووجود أعطاب بنيوية عميقة تعيق أي تقدم إصلاحي حقيقي، وهنا يُطرح السؤال بوضوح: من هم الخصوم الحقيقيون للتغيير في السياق المغربي؟ البعض يرى أن المخزن، بما يحمله من تحالف بين السلطة السياسية والاقتصادية والرمزية، يمثل العائق الرئيسي أمام أي تحول ديمقراطي، فهو يسيطر على توزيع الثروة والسلطة والقرار، ويعمل على إعادة إنتاج نفسه من خلال آليات الاستيعاب والاحتواء، بينما يرى آخرون أن القوى المحافظة، سواء كانت ذات مرجعية دينية أو هوياتية، تُعد الخصم الأكثر إلحاحاً، لأنها تعرقل الديناميات المجتمعية من الداخل، بتثبيت التراتبية وإنتاج خطاب يُخدّر الوعي الجمعي ويعزز الطاعة، وفي المقابل، يبرز رأي ثالث يُشير إلى أن المعارضات الحزبية والنقابية والمدنية، بصيغتها الحالية، أصبحت جزءاً من المشكلة، حيث انخرط بعضها في منطق التسويات الضيقة التي تُفقده شرعية الطرح البديل، بينما علق البعض الآخر في شعارات غير قادرة على التحول إلى برنامج سياسي قابل للتنفيذ، والنتيجة أن طاقات المجتمع تُستهلك في معارك جانبية، بينما تظل البنية المسيطرة في موقع قوي، لكن الأخطر هو الخصم غير المرئي: الانقسام داخل المجتمع ذاته، فالسلطة تستمد قوتها الكبيرة من تفتت الجبهة المعاكسة، ومن استعداد مكونات المجتمع للاستخدام ضد بعضها البعض، وهذه “الهشاشة الداخلية” تجعل أي مشروع تغيير عرضة للاختراق أو الفشل قبل أن يكتمل.

التحديات المطروحة على المغرب

في مواجهة هذا الوضع، يواجه المغرب ثلاثة تحديات مترابطة، وهو ما يلي:
1. التمييز بين الخصوم: من هو العائق البنيوي (الخصم الاستراتيجي) ومن هو العائق المرحلي (الخصم التكتيكي).
2. إبداع البدائل الواقعية: المغرب بحاجة إلى خطاب يجمع بين النقد والمبادرة، بين تفكيك البنية الحاكمة واقتراح حلول عملية ترتبط بالعدالة الاجتماعية والانتقال الديمقراطي.
3. ترشيد الصراع: إدارة المعركة السياسية والاجتماعية بذكاء استراتيجي، عبر بناء جبهات مرنة قادرة على تحويل بعض الخصوم إلى شركاء مساندين، أو على الأقل إلى أطراف غير معيقة لمسار التغيير.

ما يحتاجه المغرب اليوم هو تفكير نقدي استشرافي، يوازن بين الاستعجال التاريخي والحيطة الاستراتيجية، فالتردد في تحديد الخصوم قد يصبح مفهوماً كوسيلة لتفادي الصدام المباشر، لكنه يُصبح خطيراً حين يتحول إلى إنكار للواقع أو عجزة عن ممارسة النقد وتسمية الأمور بمسمياتها، وإذا كان هناك أمل في التغيير، فإن تحقيقه يتطلب الجرأة في التشخيص، والقدرة على صياغة بدائل، والاستعداد لبناء تحالفات غير تقليدية، حتى لو كانت مؤقتة، فبهذه المعادلة فقط يمكن للمغرب الانتقال من مجرد إدارة الأعطاب إلى هندسة المستقبل، وأول الخطوات تبدأ بإطلاق الحوار والانصات العموميين، فمتى سيُقرع جرس العدالة؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *