«كوردستان تتألق كنموذج للنجاح في ظل إخفاقات الدولة»

في الوقت الذي أنفقت فيه بغداد ما يقرب من خمسين مليار دولار على الكهرباء منذ عام 2003، دون أن تحقق مدن العراق ساعات تجهيز مستقرة، تمكن إقليم كوردستان من إدارة هذا الملف بميزانية محدودة وعقلية اقتصادية رشيدة، حيث أنشأ محطات توليد حديثة تعمل بالنفط والغاز المحلي، محققًا اكتفاءً شبه كامل في الطاقة، بينما بقيت محافظات العراق الأخرى تعاني من المولدات والمزايدات السياسية على حساب المواطن.

نجاح كوردستان في مواجهة أزمة المياه

لكن قصة النجاح لا تقتصر على الكهرباء؛ فقد واجه الإقليم أزمة المياه بعقلية الدولة وليس الإدارة المؤقتة، وسارع منذ سنوات إلى إنشاء مئات السدود والأحواض لتخزين مياه الأمطار والينابيع، حتى أصبح يمتلك احتياطيًا مائيًا يكفيه لثلاثة عقود مقبلة، في وقت تعاني فيه المحافظات الجنوبية من جفاف قاسٍ وهجرة قروية متزايدة.

تطوير البنية التحتية

وفي مجال البنية التحتية، أنجز كوردستان شبكة من الطرق والجسور تُعد من الأحدث في العراق، التي تربط المدن معًا وتسهّل الحركة التجارية والسياحية، هذه المشاريع لم تأتِ من ترف مالي، بل من إدارة دقيقة للموازنات، في ظل حصارٍ مالي خانقٍ من بغداد التي قطعت حصة الإقليم من الموازنة، وأوقفت رواتب موظفيه، بل سمحت للميليشيات باستهداف منشآته النفطية والغازية.

الاعتماد على الذات في الإنتاج الغذائي

ورغم كل هذه التحديات، نجح الإقليم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، حيث حول الأراضي الزراعية إلى مصدرٍ للأمن الغذائي والاقتصادي، وبالتعاون مع شركات هولندية وسويدية، تطورت حقول إنتاج البيض والدواجن والخضروات والفواكه والطحين، وزادت صادرات كوردستان من البطاطا والمنتجات الغذائية إلى أسواق الخليج وأوروبا، بعدما منعت سلطات الميليشيات دخولها إلى أسواق الجنوب والوسط العراقيين.

مواجهة الفساد وتعزيز الشفافية

هذا الاكتفاء الذاتي لم يكن مجرد إنجاز اقتصادي، بل إعلان استقلالٍ عملي في الغذاء بعد أن حُرم الإقليم من حقه في الميزانية والموارد، ولم تغب عن تجربة كوردستان مواجهة الفساد، لكنها استطاعت تقليصه عبر الشفافية والمساءلة، ومنع تضخم الجهاز الوظيفي، وتشجيع الاستثمار الخاص، لتصبح بيئة أكثر جذبًا واستقرارًا من بقية مناطق العراق التي تعاني من الفساد والمحاصصة.

نموذج للإدارة الناجحة

لقد أثبت الإقليم أن النجاح لا يُقاس بحجم المال، بل بكفاءة الإدارة، وبينما غرقت بغداد في العجز والفوضى، شقّ كوردستان طريقه نحو الاكتفاء والإنتاج، مقدمًا نموذجًا يُحتذى لدولة تُبنى بالعقل لا بالشعارات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *