في خضم ضجيج وازدحام ملعب أليانز أرينا في ميونيخ، تبرز لقطة واحدة تحفر في الذاكرة، تلخص مسيرة باريس سان جيرمان نحو أول تتويج له بلقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وهي تركيز عيني عثمان ديمبيلي على حارس مرمى إنتر ميلان يان زومر.
تحول اللاعب ورمزية اللقطة
لم تكن نظرة المهاجم الفرنسي مجرد محاولة لترهيب خصمه، بل كانت رمزاً لتطور اللاعب نفسه، إذ تجسد هذه اللحظة، التي يظهر فيها ديمبيلي وهو يحدق تجاه زومر قبل تصديه للكرة، الانتصار الساحق 5-صفر الذي أهدى باريس سان جيرمان لقبه الأوروبي المنتظر، وعكست موسماً فردياً استثنائياً لديمبيلي (28 عاماً)، الذي جعل منه أحد المرشحين القويين للفوز بجائزة الكرة الذهبية، ليحقق الجائزة في باريس يوم الاثنين.
اكتشاف ديمبيلي من قبل إنريكي
منذ انضمامه لباريس سان جيرمان عام 2023 قادماً من برشلونة، أعاد المدرب لويس إنريكي اكتشاف ديمبيلي، إذ تحول من جناح سريع الحركة إلى مهاجم متكامل، حيث دفعه إلى مراكز الوسط ومنحه حرية الحركة. وقال ديمبيلي: «المدرب يمنحني حرية كبيرة في الملعب، لا يجبرني على البقاء كرأس الهجوم مثل المهاجم الصريح، أحاول فقط صناعة مساحة وإحداث بعض الارتباك في صفوف المنافس في وسط الملعب».
تقييم إنريكي ومعدل التسجيل
كان موقف لويس إنريكي واضحاً بعد أن سجل ديمبيلي ثلاثيتين متتاليتين في الموسم الماضي، إذ قال: «عثمان قادر على أن يصبح اللاعب الذي يطمح إليه، إذا حافظ على ثقته أمام المرمى، فلا أحد يضاهيه، يستطيع التسجيل في أي موقف، حتى بضربة رأس، إنه لاعب استثنائي».
موسم الإنتاجية العالية
ترجم ديمبيلي هذه الحرية لموسم هو الأكثر إنتاجية في مسيرته، إذ اختتم موسم 2024-2025 بتسجيل 35 هدفاً وتقديم 14 تمريرة حاسمة في 53 مباراة بمختلف المسابقات مع النادي، منها 21 هدفاً في الدوري الفرنسي ليعتلي صدارة الهدافين، كما قدم تمريرتين حاسمتين في نهائي دوري أبطال أوروبا بمفرده.
جهود ديمبيلي الدفاعية
بعيداً عن الأهداف، فإن دوره الدفاعي كان بصمة مميزة، وفقاً لبيانات الأداء الصادرة عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، حيث قام ديمبيلي في ميونيخ بأعلى معدل ركض مقارنة بأي لاعب آخر في سان جيرمان، متفوقاً على خط دفاع إنتر منذ بداية المباراة.
أهمية معدلات الركض
بالنسبة للويس إنريكي، كانت معدلات ركض ديمبيلي ذات أهمية تعادل أهمية الأهداف، فقال المدرب: «أؤمن بصدق أنه يستحق الكرة الذهبية، ليس فقط للألقاب التي حققها أو الأهداف التي سجلها، بل بفضل ضغطه… فعل ذلك طوال الموسم، ولكن حدث ذلك بشكل استثنائي في هذا النهائي (دوري أبطال أوروبا)».
إعادة تعريف أسلوب اللعب
لطالما ارتبطت مهارات ديمبيلي بالانطلاق بالكرة والمراوغة، إذ كانت مراوغاته باستخدام كلا القدمين تربك المدافعين، ولكن نسخة 2025 من اللاعب شهدت إضافة حاسمة في قدرته على إنهاء الهجمات واستعداده لضبط إيقاع اللعب حتى بدون الكرة. قال إنريكي في فبراير الماضي: «هناك ثبات في مستواه، وبإمكانه جعل الفريق أفضل، كان جيداً بالفعل في الموسم الماضي، لكنه تحسن وأصبح أفضل في عام 2025، يمكنك أن ترى زملاءه يبحثون عنه ويجدونه بسهولة، إنه يتحلى بنهج مثالي».
تغيير الصورة الذهنية
تشير هذه الكلمات إلى تغيير جذري مقارنةً بالانطباع عن ديمبيلي قبل عامين، حين كانت الإصابات وعدم الاتساق في الأداء تعني غالباً أن إمكاناته بدت محدودة، لكن في باريس سان جيرمان، لم يعد حاسماً فحسب، بل أصبح لاعباً يُعتمد عليه أيضاً.
إرث الكرة الذهبية
قدمت فرنسا من قبل العديد من اللاعبين الذين فازوا بجائزة الكرة الذهبية، مثل ريمون كوبا وميشيل بلاتيني وزين الدين زيدان، وكريم بنزيمة في عام 2022، وعلى مدار العقد الماضي، كان الاعتقاد السائد أن كيليان مبابي سيلحق بهم، ومع ذلك، فمع انتهاء باريس سان جيرمان لموسم الهيمنة المحلية والاكتساح الأوروبي، اختلف الحديث.
ديمبيلي وفوز الكرة الذهبية
قال إنريكي عقب النهائي: «أمنح الكرة الذهبية للسيد عثمان ديمبيلي، دفاعه (أمام إنتر)… هذا وحده يستحق عليه الجائزة، هكذا تقود فريقاً».
موسم مميز لتجسيد الإرث
لقد أعاد الموسم الماضي رسم إراث ديمبيلي، إذ لا تزال مراوغاته مبهرة، لكنها الآن تضاف إليها أهداف وتمريرات حاسمة، ورغبة في الضغط بأداء عالٍ، حتى أن مدربه يصفه بالنموذجي. جسدت تلك النظرة الثاقبة إلى زومر في ميونيخ كل شيء: بدءاً من كونه لاعباً كان يوصف بأنه هش، ليصبح الآن تجسيداً للشراسة والحسم في باريس سان جيرمان، وتحوّله من لاعب يمتلك إمكانات لكنه يفشل في استغلالها إلى موهبة مكتملة، ليصبح ديمبيلي رمزاً للفريق وأحدث لاعب فرنسي يفوز بجائزة الكرة الذهبية.