منذ عام 2003، شهد العراق، الذي كان عدد سكانه آنذاك 26 مليون نسمة، نمواً ملحوظاً إذ بلغ عدد السكان حالياً 48 مليون نسمة، ورغم التحديات العديدة التي واجهها، تمكن من تخطيها وتسجيل نقاط قوة له، ومع مرور أكثر من عشرين عاماً على سقوط النظام، نشهد تطوراً ملحوظاً في البنية التحتية والمشاريع التنموية، سواء في العموم أو في إقليم كردستان، ورغم بطئها، إلا أنها استعاد العراق من جديد حضوره الاقتصادى، حيث تلامس ناطحات السحاب سماءه، وتتحسن القدرة الشرائية للمواطن العراقي، والأهم من ذلك هو التقدم الديمقراطي الذي لم تشهده حتى الدول الكبرى المتطورة، التي ما زالت تعاني من أزمة الثقة بين مكوناتها، بينما أصبح صندوق الاقتراع في العراق الوسيلة الوحيدة لتغيير سياسي جاد في البلاد.
المرور على مرحلة الاحتلال الأمريكي
تجاوز العراقيون بجميع مكوناتهم مرحلة الوجود الأمريكي، الذي لم يتمكن من ترك أثر عميق في نفوسهم، مثلما حدث في دول الاحتلال الأخرى، والتي تحاول غرس بعض العادات في المجتمعات المحتلة، ورغم محاولات الاحتلال الأمريكي، إلا أنه فشل في ترك بصمة في حياتهم اليومية، واكتفى بترك مشاعر الكراهية والحنق تجاه أساليب القتل والتعذيب التي مارسها خلال وجوده ورحيله.
التغيرات السياسية وفهم المصالح الوطنية
مع حجم المتغيرات السياسية التي شهدها العراق، والتي انتقلت ضمن أطر ديمقراطية وانتخابية جديدة، استطاع الشعب العراقي استيعابها لتصبح جزءًا من مناقشاته اليومية، وأصبح لديه وعي كامل بمصالحه ومستقبله، وهو ما انعكس على انتمائه السياسي، ومع ذلك ظل لديه عدم ثقة بالقوى السياسية بشكل عام، وانكفأ على وضعه الداخلي، ليعبر عن اعتراضه على القوى التي تتكئ عليه لتحقيق مصالحها على حسابه، مما أدى إلى ظهور كانتونات طائفية وقومية وإثنية، تحتمي خلفها المكونات العراقية بدلاً من الالتفاف حول الوطن أو المصالح العليا للبلاد.
مستقبل الديمقراطية في العراق
الديمقراطية في العراق تُعتبر واقعاً حقيقياً، حتى وإن كانت مرتبكة بعض الشيء، ويظهر ذلك في النقاشات السياسية الدائرة في واشنطن، إذ لا يزال كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ينظران إلى العراق من منظور عام 2005، وليس العام 2025، حيث أن عراق اليوم ليس كما كان في الماضي، فقد نجحت التجارب الديمقراطية في تحويل بلد ضعيف إلى دولة قادرة على اتخاذ قرارات سياسية تشارك فيها جميع الأطراف، وأصبح التوافق السياسي السمة الأساسية التي تميز القرار السياسي، مما يجعل حالة المشاركة في القرار هي السائدة في النظام السياسي وانطلاق العملية السياسية بأكملها.
أهمية الانتخابات وصندوق الاقتراع
لقد أصبحت الانتخابات الركيزة الأساسية في تشكيل أي حكومة، ورغم أن الفوز بها يتطلب شيئاً مختلفاً عن الحكم الرشيد، إلا أن نتائج الانتخابات غالباً ما تفرز حكومات توافقية تشارك فيها جميع الأطراف، وصندوق الاقتراع أصبح الوسيلة الوحيدة لضمان مستقبل المواطن العراقي، وأما ما يُسمع من تهديدات تتردد من هنا وهناك، فلا تتجاوز كونها “زوبعة إعلامية” تسعى لتحقيق أهداف سياسية على حساب أمن المواطن العراقي وطموحاته في العيش بكرامة، مهما كان انتماؤه، خاصة وقد مر العراق بمنعطف حاسم، ويبقى أن نرى إن كان جيل السياسيين الجديد سيفوق على طموحاته الشخصية لصالح الدولة أم لا.