في قسم مقارنة الأديان بكلية الدراسات والبحوث الأسيوية بجامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية، تم مناقشة رسالة دكتوراه بعنوان “المنهج الديني في الحفاظ على البيئة”، وهي دراسة مقارنة بين الإسلام والمسيحية، وقد قدمها الباحث أحمد صبحي عطية عريف، وهو امام وخطيب بأوقاف الشرقية.
تشكلت لجنة الإشراف والمناقشة من الدكتور محمد سليم، وكيل لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ، وأستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، مشرفًا ومناقشًا، والدكتور أحمد دهشان، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالزقازيق، مشرفًا، والدكتور محمد شحاته، أستاذ العقيدة والفلسفة بنفس الكلية، مناقشًا، بالإضافة إلى الدكتور خالد فتحى محمد، رئيس قسم العقيدة والفلسفة بالكلية.
تُعَد أزمة البيئة من أهم التحديات التي تواجه البشرية في العصر الحاضر، بسبب ما يعانيه العالم من مشكلات متزايدة كالتلوث، واستنزاف الموارد، وارتفاع حدة التغيرات المناخية، وهو ما يتطلب دراسات علمية تسلط الضوء على الأبعاد القيمية والدينية في معالجة هذه المسألة. من هنا، برزت رسالة الباحث بعنوان: “المنهج الديني في الحفاظ على البيئة: دراسة مقارنة بين الإسلام والمسيحية”، التي تناولت الموضوع من منظور يجمع بين الأصول الشرعية والتحليل العلمي، من خلال مقارنة منهج الدينين في التعامل مع القضايا البيئية، إذ يتضمن كلا منها تراثًا غنيًا بالتوجيهات البيئية.
تكمن أهمية هذه الدراسة في إعادة إحياء دور الدين كعامل موصل للتوعية البيئية، خصوصًا في زمن طغى فيه الطابع المادي على العلاقة بين الإنسان والطبيعة، حيث توصل الباحث إلى أن كلاً من الإسلام والمسيحية ينظران إلى البيئة كأمانة إلهية وليس مجرد مورد اقتصادي، ما يجعل هذه الرسالة فريدة من نوعها كونها تربط مباشرة بين التعاليم البيئية في الديانتين، وتجمع بين المقاربة العقدية والتطبيق العملي، مما يمنحها تميزًا في الدراسات المقارنة، ويضعها كأساس لمزيد من الأبحاث في هذا المجال. كما تركزت الدراسة على استكشاف الجذور الأخلاقية للعناية بالبيئة، وكذلك تحفيز المؤسسات الدينية للقيام بدورها في تعزيز الوعي البيئي.
استندت الدراسة إلى منهجين رئيسيين: المنهج المقارن، الذي يُجرى من خلاله مقارنة دقيقة بين التعاليم الإسلامية والمسيحية المتعلقة بالبيئة، والمنهج التحليلي، الذي يستهدف تحليل النصوص الدينية واستنباط الدلالات البيئية منها، مع ربط تلك الدلالات بالواقع المعاصر. تم تقسيم الرسالة إلى ثلاثة أبواب، تناول الأول التحديات البيئية وآثارها على المجتمعات، والثاني تناول منهج المسيحية في التعامل مع البيئة، بينما استعرض الثالث منهج الإسلام، مع التركيز على رؤية القرآن الكريم والسنة النبوية وكذلك جهود علماء الإسلام. وقد نجح الباحث في تسليط الضوء على الجانب العملي في التعاليم الدينية من خلال تتبع المبادرات والجهود من كلا الديانتين في الحفاظ على البيئة.
من خلال التحليل والمقارنة، توصلت الدراسة إلى أن الأديان السماوية تشترك في التأكيد على قدسية البيئة، وانها مسؤولية شرعية وأخلاقية، مشيرة إلى أن جذور الأزمة البيئية لا تعود إلى النصوص ذاتها، بل تكمن في ضعف الوعي بها، أو تأويلها بعيدًا عن سياقها. وقد أوصت الرسالة بتفعيل الخطاب الديني في الإطار البيئي، وتضمين قضايا البيئة في المناهج التعليمية والخطب والدروس، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية والبيئية، كما تسعى الدراسة إلى المساهمة في بناء وعي بيئي ديني متوازن يعيد الاعتبار للقيم الروحية في معالجة القضايا الراهنة، ويعزز الشراكة الفعالة بين الدين والعلم في خدمة الإنسان والبيئة. كما تشجع الدراسة الباحثين والمتخصصين على توسيع أفق دراسات البيئة من منظور ديني مقارن لاستكشاف المزيد من القيم المشتركة، وإبراز مفهوم الاستخلاف كمبدأ محوري في التوجيه الديني، بما يُحمِّل الإنسان مسؤولية الحفاظ على البيئة باعتباره مؤتمنًا على ذلك أمام الله، ويسعى إلى إعادة قراءة النصوص الدينية المتعلقة بالبيئة بطريقة واعية ومنضبطة، تبتعد عن التفسيرات الخاطئة التي أسهمت في الفهم السلبي.
وقد منحت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة الباحث درجة الدكتوراه في دراسات وبحوث الأديان بتقدير مرتبة الشرف الأولى.
حضر المناقشة الدكتور عبد الغني الغريب طه، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والدكتور صلاح محمد حرى، وكيل وزارة الأوقاف سابقًا، والمهندس عمرو الوروارى، بالإضافة إلى عدد من أعضاء هيئة التدريس بجامعتي الأزهر والزقازيق وطلبة الدراسات العليا، ولفيف من القيادات الشعبية والتنفيذية.