«تحليل مفصل» ارتفاع أسعار الذهب والأسهم الأمريكية لمستويات قياسية في وقت واحد: ما السر وراء هذا التوجه النادر؟

يشهد الذهب انتعاشًا ملحوظًا يبدو أنه لا يمكن إيقافه، على الأقل في الوقت الحالي، حيث يواصل تسجيل مستويات قياسية جديدة متتالية، ويُعتبر ملاذًا آمنًا يلجأ إليه المستثمرون في أوقات الاضطرابات، وهو أمر منطقي، بينما تسجل أسواق الأسهم أيضًا ارتفاعات جديدة، وهو ما يشير عادة إلى التفاؤل، فما تفسير هذا النمط الخارج عن المألوف؟

حدث نادر

يُعتبر الصعود المتزامن لأسعار الذهب ومؤشر الأسهم الأمريكية “إس أند بي 500” نحو مستويات تاريخية أمرًا نادرًا، مما يجعل المستثمرين في حيرة من أمرهم، رغم تفوق أداء المعدن الأصفر، حيث قفز بنسبة تصل إلى 44% تقريبًا، في حين ارتفع المؤشر بنسبة 14% هذا العام، بعد تعافيه من موجة البيع المكثفة التي تلت إعلان “ترامب” عن التعريفات الشاملة.

تألق الذهب والأسهم معًا

أغلق الذهب والمؤشر عند مستويات قياسية جديدة هذا الأسبوع، ليتكرر وصول الفئتين إلى أعلى مستوياتهما في نفس اليوم ست مرات في 2025، وعشر مرات في 2024، بينما من 1970 إلى 2023 لم يحدث ذلك إلا مرتين، ويتضح أن هذه الديناميكية أظهرت تغييرًا نسبيًا في سلوك السوق.

خروج عن المألوف

يظهر أن هذا النمط جديد نسبيًا، لأن الذهب عادة ما يحقق أفضل أداء له عندما تكون التوقعات الاقتصادية تُعاني من عدم اليقين، بينما يشير صعود الأسهم لمستويات تاريخية إلى تفاؤل المستثمرين تجاه المستقبل ورغبتهم في الاستثمار في أصول ذات مخاطر أعلى.

تفسير محتمل

يشير البعض إلى أن الانخفاض الحالي في قيمة الدولار قد يكون من بين التفسيرات للوضع الراهن، إذ يُعد مؤشر العملة الأمريكية منخفضًا بحوالي 10% هذا العام، متجهًا نحو تسجيل أسوأ أداء سنوي منذ عام 2023، حيث يدعم ضعف العملة الذهب، كما يُعزز الأسهم الأمريكية بجعلها أرخص للمشترين الأجانب.

تفسيرات محتملة للارتباط الإيجابي المتزامن النادر بين الذهب والأسهم الأمريكية

المحلل/الجهة

 

التوضيح

“آدم كوس” الرئيس والمستشار المالي لدى مجموعة “ليبرتاس” Libertas لإدارة الثروات

 

شبه الأمر بمشاهدة شخص يتناول السلطة والحلوى في آن واحد، موضحًا أن الوضع ليس طبيعيًا تمامًا، وعادة يحدث هذا في ظروف معينة تعكس مزيجًا من التفاؤل والقلق في الأسواق.

وأضاف أن “إس أند بي 500” والذهب تربطهما تقليديًا علاقة عكسية، وبالتالي عندما يرتفعان معًا، فإن ذلك غالبًا ما يشير إلى تيار خفي أعمق مثل الخوف من التضخم أو ضعف الدولار.

“هنري ألين” من “دويتشه بنك”

 

أوضح في مذكرة للعملاء أن المستثمرين متفائلون بشأن الأسهم، ولكنهم في نفس الوقت متخوفون من وجود مخاطر هبوطية كبيرة.

“كيث وينر” المدير التنفيذي لشركة “مونتري ميتالز” Monetary Metals

 

أوضح أن سوق الأسهم عادةً ما تستجيب لعوامل تتعلق بالنمو مثل الأرباح والفائدة، بينما تتحرك أسعار الذهب صعودًا مع عوامل ترتبط بالخوف مثل توقعات التضخم أو مستويات الديون، ويبدو أننا في الوقت الحالي نعيش فترة ترتفع فيها العوامل لكل من الجانبين بشكل ملحوظ.

“ماركو بابيك” كبير الاستراتيجيين لدى شركة الأبحاث “بي سي إيه” BCA Research

 

يدعم أيضًا أن انخفاض قيمة الدولار هو المحرك الرئيسي لتألق الذهب والأسهم في آن واحد، مبيّنًا أن التعريفات والتوترات التجارية أجبرت مناطق أخرى على تحفيز اقتصاداتها بدلًا من الاعتماد على الطلب الأمريكي.

كما وصف “بابيك” نهاية الهيمنة المالية للولايات المتحدة بأنها تُعتبر نقطة تحول، قائلًا وفقًا لما نقلته “فوربس”: العملات تتقلب صعودًا وهبوطًا، والخطأ الأكبر هو الاعتقاد بأن الأصول الأمريكية ستحقق أداءً أفضل دائمًا، فهذا أمر مستحيل.

“بيتر كوري” المؤسس المشارك لدى “بايف فاينانس” Pave Finance

 

يرى نفس الديناميكية، موضحًا أن التضخم في تراجع منذ عام 2022، ما دعم أرباح الشركات ودفع أسعار الأسهم للارتفاع، بينما دعم ضعف الدولار جاذبية الذهب.

هل تتشكل فقاعة حاليًا؟

يشير “بريت فريدمان” المشارك في “أوبشن متريكس” في مذكرة له إلى أن الذهب يشهد ارتفاعًا منذ منتصف 2023، ويصل باستمرار لمستويات تاريخية، ويُعتبر مثاليًا لمن يبحثون عن تأمين ضد الكوارث، لكنه لا يرى أن ذلك يعني بالضرورة أن المعدن الأصفر في فقاعة أو حتى بداية تشكلها.

سوق صاعدة

يشير إلى أن سوق الذهب لا يظهر سلوكًا شديد التقلب الذي يُميز تشكل الفقاعة الحقيقية، بل يمثل سوقًا صاعدة نشطة، كما أن عقود الخيارات لا تشير إلى تشكل فقاعة، رغم أن تحديد الفقاعات المالية يعتبر أمرًا صعبًا للغاية، ولا يظهر بوضوح إلا بعد حدوثها.

عوامل داعمة

يشير “أدريان آش” مدير الأبحاث لدى “بوليون فولت” BullionVault إلى أنه مع تفاقم الانقسامات الداخلية الأمريكية والعنف السياسي، فإن انخفاض الفائدة يقترن بالتصعيد بين الناتو وروسيا، ما يعزز جاذبية الذهب والفضة كملاذات آمنة، كما أن انهيار الثقة والتعاون العالميين لا يدل على أي بوادر للهدوء.

الخلاصة

يشهد الذهب سوقًا صاعدًا نشطًا لأسباب منطقية وسط حالة من عدم اليقين، وفي الوقت نفسه تصعد الأسهم الأمريكية لمستويات قياسية في علاقة استثنائية خارجة عن المألوف، لكنها قد لا تستمر طويلاً، حيث سيعتمد اتجاهها بصورة كبيرة على حالة الاقتصاد الأمريكي وما إذا كان سيواجه تحديات جديدة.

المصادر: فورتشن – فوربس – ماركت ووتش – بيزنس إنسايدر

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *