في خطوة متوقعة على نطاق واسع، قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتقليص أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، ليبلغ النطاق بين 4.00% و4.25%، وذلك للمرة الأولى منذ بداية العام.
يرى الخبراء الاقتصاديون أن هذه الخطوة تعكس جهود البنك المركزي لمواجهة الضغوط والتحديات التي تعترض الاقتصاد الأميركي، خاصّةً مع التباطؤ الذي تشهده سوق العمل.
أثار قرار خفض الفائدة الأميركية تفاعلات واسعة في الأسواق العالمية، حيث حققت بعض الأصول مكاسب ملحوظة، بينما شهدت أخرى تراجعًا ملحوظًا.
في أسواق العملات، واصل الدولار تعويض خسائره التي تكبدها الأسبوع الماضي بعد خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الاتحادي، فقبل قرار الفيدرالي بيوم واحد، سجل أدنى مستوى له في 4 سنوات مقابل اليورو.
“عدة أسباب وراء التراجع”… في حديث خاص لـ”النهار”، يؤكد الخبير المالي والاقتصادي د. محمود جباعي أن “تراجع قيمة الدولار عالميًا يعود إلى عدة عوامل سياسية واقتصادية ومالية”.
هذا ويشير إلى أن “الوضع الجيوسياسي العالمي غير مستقر، إذ تعاني بعض المناطق من اضطرابات وأجواء توتر تشي بوجود حروب ساخنة في بعض الأماكن، وأخرى باردة في أماكن مختلفة، ما ينعكس سلبًا على قيمة العملات، ويدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب والعقارات، وأحيانًا بعض الاستثمارات البديلة”.
ويضيف جباعي بأن “من أبرز العوامل الاقتصادية التي أدت إلى هذا التراجع، هو ارتفاع حجم الدين الأميركي الذي بلغ نحو 37 تريليون دولار، مما أدى إلى أزمة ديون خانقة في الولايات المتحدة”.
كما لفت في حديثه إلى أن “الحكومة الأميركية تحاول من خلال سياساتها المالية، مثل فرض الرسوم الجمركية التي أقرها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مواجهة هذه الأزمة، إلا أن هذه الإجراءات أدت إلى توترات مع دول عديدة، وانعكست سلبًا على قيمة الدولار”.
تأثير على بقية العملات والمعادن… يعتبر الخبير الاقتصادي والمالي أن “التراجع في قيمة الدولار أتاح فرصًا للذهب، الذي شهد ارتفاعًا متسارعًا، مدعومًا أيضًا بقرار تخفيض معدلات الفائدة الأميركية، بالإضافة إلى الأجواء السياسية والاقتصادية العالمية المشحونة”.
ويلفت أن “أسعار الذهب والذهب والمعادن قد تسجل مزيدًا من الارتفاع، حيث وصلت أونصة الذهب الآن إلى نحو 3800 دولار، مع توقعات بأنها قد تصل إلى أربعة آلاف أو حتى خمسة آلاف دولار في المرحلة المقبلة، إذا استمرت الأوضاع على حالها”.
هذا، ويشير جباعي إلى أن “انخفاض مؤشر الدولار يقابله تحسن في عملات أخرى مثل الجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو”.
هل يفقد الدولار مكانته؟ منذ عقود، يحتفظ الدولار بمكانته كعملة رئيسية في العالم، حيث يمتلك القدرة على التحكم بالتجارة الدولية، ويحدد أسعار الذهب والنفط، وتحتفظ به البنوك المركزية كملاذ أساسي.
في هذا السياق، يشدد جباعي لـ”النهار” على أن “تراجع الدولار لا يعني انهياره كما يُروج في بعض الأوساط، بل يمكن أن تتراجع قيمته مقابل عملات أو أصول أخرى، ثم تعود لتستقر بمستوى جديد”.
ويؤكد على أن “العملات الرقمية تكتسب زخماً متزايداً، إذ تعتمدها بعض الدول كوسيلة للتداول، مما قد يعزز انتشارها ورفع قيمتها، خاصة إذا اعتمدت الولايات المتحدة أو دول كبرى أخرى العملات الرقمية رسميًا”، مضيفًا أن “هذا التوجه قد يسهم في تقليص الاعتماد التدريجي على الدولار، رغم أن عددًا كبيرًا من الاحتياطيات العالمية ما يزال قائمًا بالدولار”.
يعتبر جباعي، في سياق حديثه، أن “الذهب والعملات الرقمية ستتنافس مع جميع العملات الورقية، لا الدولار وحده”، مذكّرًا بأن “الدولار ما زال يعمل كوسيط للتبادل يُحدد قيمة الأشياء، ولا يمكن الاستغناء عنه بسهولة، نظرًا لارتباطه بقوة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والأمنية”.
علاقة اللبنانيين بالدولار… في لبنان، وبعد الانهيار الكبير الذي أصاب الليرة، أصبح الدولار الملاذ شبه الوحيد للبنانيين، حيث باتت معظم المدخرات والتحويلات والمعاملات اليومية مرتبطة بالعملة الخضراء، ما جعل الاقتصاد الوطني أكثر ارتهانًا لسعر صرف الدولار وتقلباته.
ينصح الخبير المالي والاقتصادي، في هذا السياق، بـ”توزيع الثروة بين الذهب والملاذات الآمنة والعقارات، أو فتح استثمارات جديدة”، مضيفًا أن “هذا الأمر يُفضل بغض النظر عن العملة التي يمتلكها المواطن”.
يوضح جباعي في ختام حديثه لـ”النهار” أن “الحفاظ على القيمة مستقبلًا، في ظل التضخم العالمي، يتم من خلال الاستثمار في العقارات والذهب والأصول المنتجة، أما الاكتفاء بالعملة الورقية كوسيلة للادخار، فإن قيمتها ستتآكل مع مرور الزمن”.
يبقى الدولار محور الاقتصاد العالمي بفضل ما يملكه من قوة سياسية ومالية واقتصادية، ومع ذلك، فإنه يواجه تحديات جديدة من بدائل رقمية وملاذات آمنة مثل الذهب، ما قد يعيد رسم موازين القوة مستقبلًا.
في النهاية،يبقى السؤال: هل ستظل الهيمنة قائمة أم سنشهد بداية عصر جديد من تعدد العملات؟