تعمل منصة تيك توك منذ عدة سنوات على تعزيز مكانتها في سوق التجارة الإلكترونية، غير أن الخطوة الأخيرة التي قامت بها أثارت جدلاً واسعًا حول القضايا الأخلاقية المتعلقة بالتقنيات المؤتمتة، حيث بدأت المنصة باختبار ميزة جديدة تُدعى “Find Similar”، تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعرف على العناصر الموجودة في مقاطع الفيديو واقتراح منتجات مشابهة عبر متجرها الإلكتروني.
تجربة المستخدم ورؤية الميزة الجديدة
ظهرت الميزة الجديدة لدى مجموعة محدودة من المستخدمين، حيث لوحظ عند توقف بعض المقاطع عرض نافذة منبثقة تتضمن ملابس أو إكسسوارات مرتبطة بما يظهر في الفيديو، وذلك في سعي لتحسين تجربة التصفح بارتباطها بخيارات التسوق المباشر.
جدل إثر المحتوى الإنساني الحساس
لكن ما بدأ كتجربة مشوقة تحول سريعًا إلى جدل شامل، بعد أن تم رصد الميزة أثناء عرض مقاطع إنسانية حساسة، وأحدها كان فيديو نشرته قناة TRT World يظهر سيدة فلسطينية تبحث عن أسرتها تحت أنقاض منزلها في غزة، حيث قامت الخوارزمية بالتعرف على الحجاب والملابس التي ترتديها السيدة واقترحت منتجات مشابهة في المتجر.
ردود الفعل على استخدام الخوارزميات
هذا المشهد صدم المتابعين، إذ اعتبروا أن الخوارزمية تعاطت مع لحظة مأساوية كفرصة للبيع، مما كشف عن قصور كبير في فهم السياق الإنساني، وحوّل معاناة إنسانية إلى مادة تسويقية باردة.
التكرار في مواقف أخرى
الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تكرر مع محتوى آخر للمدونة الأميركية الشهيرة Ms. Rachel، التي تُعرف بمقاطعها الموجهة للأطفال، إذ قامت الخوارزمية بالتعرف على ملابسها وعرضت منتجات مشابهة في الوقت الذي كان الفيديو يركز على رسائل تضامن إنسانية مع أطفال غزة.
استجابة تيك توك للانتقادات
لم يتأخر رد تيك توك، حيث أكدت في إشعار رسمي أن النتائج قد تكون أحيانًا غير دقيقة أو غير ملائمة، مشددة على أن الميزة اختيارية بالكامل، ويمكن للمستخدم إيقافها في مقاطع الفيديو الخاصة به أو ضمن الخلاصة.
انتقادات ودروس في الأخلاق الرقمية
ومع ذلك، لم تُخفف هذه التوضيحات من حدة الانتقادات، حيث يشير خبراء الإعلام الرقمي إلى أن جوهر المشكلة لا يتركز في دقة الخوارزمية فقط، بل في غياب الوعي بالسياق الأخلاقي، مما يعني أن الأنظمة المؤتمتة لا يمكنها التمييز بين المحتوى الترفيهي ومقاطع المآسي الإنسانية.
تساؤلات حول مسؤولية المنصات الرقمية
هذا الخلل يفتح الأبواب لتساؤلات أوسع حول مسؤولية المنصات في وضع ضوابط تمنع تحويل أي لحظة إلى فرصة تسويقية، خاصة في ظل إدارة الخوارزميات لمستويات ضخمة من التفاعل البشري عبر الإنترنت.
استراتيجيات الشركات الكبرى
يشير المحللون إلى أن هذه التجربة تأتي ضمن استراتيجية كبرى تتبناها شركات التكنولوجيا لتحويل التفاعل الرقمي إلى قيمة تجارية مباشرة، من خلال ربط المشاهدات بالشراء في وقت واحد.
وجهات نظر المستخدمين والأخلاق
يعتقد بعض المستخدمين أن هذه الميزة قد تكون مفيدة في سياقات ترفيهية أو عروض أزياء، لكنها تتحول إلى عبء أخلاقي عندما تُطبق بلا تمييز على مقاطع مرتبطة بالمآسي الإنسانية أو القضايا الحساسة.
نقاشات قانونية حول الخصوصية
الجدل أثار أيضًا نقاشات قانونية، حيث تساءل الخبراء عن مدى توافق هذه الممارسات مع حقوق الخصوصية والملكية الفكرية، خاصة أن العناصر الظاهرة في الفيديوهات ليست دومًا ملكًا لصاحب الحساب أو قابلة للاستغلال التجاري.
حاجة تيك توك للتكيف
قد تضطر تيك توك إلى إعادة النظر في آلية عمل الخاصية، إما من خلال فرض قيود تمنع تطبيقها على المقاطع الإخبارية والإنسانية، أو من خلال تطوير تقنيات أكثر وعيًا بالسياق التي تحميها من ارتكاب ذات الأخطاء.
تدخل بشري في التشغيل
بعض الأصوات دعت أيضًا إلى ضرورة وجود إشراف بشري جزئي على الميزة، لتفادي ترك القرار بالكامل للخوارزميات التي تفتقد لمهارات إدراك القيم الإنسانية والأبعاد الأخلاقية.
تحديات الذكاء الاصطناعي
هذا الجدال يتلاقى مع نقاش عالمي أكبر حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، ومدى حاجتنا لوضع أطر تنظيمية تضمن استخدامه بطريقة متوازنة بين المصلحة التجارية والمسؤولية الاجتماعية.
نظرة عامة على مستقبل المنصات الرقمية
النقاشات الحالية قد تدفع الحكومات والجهات التنظيمية إلى فرض مزيد من الضوابط على المنصات، مما يعكس القلق من اتساع فجوة الرقابة بين سرعة تطور التقنيات وقدرة التشريعات على مواكبتها.
ممارسات سابقة ومقارنة مع تيك توك
المثير أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها تيك توك انتقادات مشابهة، فقد تعرضت سابقًا لانتقادات بسبب خوارزميات التوصية بالمحتوى التي اتهمت بأنها تضخم المشاهدات على حساب القيم الإنسانية والأمن النفسي للمستخدمين.
السؤال المباشر للمستقبل
مع اتساع دائرة النقاش، يبقى السؤال المطروح هو: هل تستطيع تيك توك تحقيق التوازن بين طموحاتها التجارية وواجبها الأخلاقي تجاه المستخدمين، أم أن السباق نحو الأرباح سيتسمر في التقدم على قيم الإنسانية؟
جدل كهذا يؤكد أن مستقبل المنصات الرقمية لن يتشكل فقط بناءً على التقنيات، بل أيضًا بناءً على قدرتها على احترام الحدود الأخلاقية، وهو ما سيحدد بدوره مستوى ثقة الجمهور واستمرارية نجاحها في الأسواق العالمية.