«تحديات الأجواء: استعراض القوة الروسية تثير تردد أوروبا»

 اعتبر خبراء سياسيون أن أوروبا تواجه اليوم تحديًا أمنيًا خطيرًا، بعد تصاعد الاستفزازات الروسية في الأجواء الأوروبية من بحر البلطيق إلى الدنمارك وبولندا.

التوتر بين حماية الأجواء وخطر المواجهة

في الأسابيع الأخيرة، ازدادت اختراقات روسيا للأجواء الأوروبية، بدءًا من بولندا وصولاً إلى إستونيا، مرورًا ببحر البلطيق والدنمارك، وتتنوع حوادث الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار (درون) بالقرب من المواقع الحساسة، وحتى استهداف مباشر كما حصل في ديسمبر 2024 عندما أطلقت القوات الروسية النار على مروحية ألمانية في المياه الدولية.

وعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية مثل بولندا ودول البلطيق تلوح بالتصدي العسكري لهذه الانتهاكات، إلا أن دولًا كفرنسا وألمانيا تظهر حذرًا أكبر، حيث إن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى مواجهة واسعة.

التردد الأوروبي والتهديد الروسي

قال الخبير العسكري الفرنسي الطيار السابق والمتخصص في شؤون الدفاع، كزافييه تيتلمان، إن أوروبا ترتكب خطأً كبيرًا عندما تخاف من التهديدات الروسية، وأضاف “يحاول الروس فرض فكرة مفادها أن اعتراضهم أو إسقاط طائراتهم يعد انتهاكًا يؤدي إلى حرب عالمية، لكن الحقيقة هي أنهم منتهكون للقانون الدولي، وعلينا وضع قواعد اشتباك واضحة وصارمة”.

وأشار إلى حادثة استهداف طائرة فرنسية من طراز Atlantique 2 في يناير الماضي، محذرًا من أن تردد أوروبا يرسل إشارات ضعف لموسكو، مما يشجعها على تكثيف الاستفزازات بدلاً من التراجع.

المفارقة الأوروبية والتهديدات الروسية

قال المحلل السياسي الفرنسي دومينيك مويسي إن الأزمة الحالية تعكس مفارقة أوروبية، حيث تستغل موسكو التوترات الجوية والبحرية لقياس رد الفعل الغربي، بينما يظهر الاتحاد الأوروبي انقسامًا بين دول تطالب بالحزم الفوري (مثل بولندا وإستونيا وليتوانيا) وأخرى تسعى إلى التوازن خشيًة من الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة (مثل فرنسا وألمانيا).

أضاف مويسي “إذا ظل الأوروبيون مترددين، ستنجح روسيا في اختبار حدود ردودهم، وإذا تصاعدوا في التصعيد العسكري، فإنهم سيخاطرون بالانجرار إلى مواجهة غير متكافئة، لذا المطلوب هو بناء إستراتيجية ردع جماعية وذكية تعتمد على وحدة داخل الاتحاد الأوروبي والناتو”.

الإصلاحات وتعزيز الأمن في أوروبا

ردًا على هذه التهديدات، أعلنت ألمانيا نيتها تسريع إصلاح قانون الأمن الجوي، مما يتيح للقوات المسلحة إسقاط الطائرات المسيّرة في حالات الطوارئ، إضافة إلى تعزيز السويد وفرنسا وألمانيا لحضورها الأمني في القمم الأوروبية المنعقدة في الدنمارك، وسط ترقب لأي اختراقات روسية جديدة.

وفي سياق متصل، دعت بولندا إلى تعاون مباشر بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لمواجهة خطر الطائرات المسيّرة الروسية، معتبرة أن هذه الهجمات تمس أمن القارة بأسرها.

الاستراتيجيات الأوروبية في مواجهة روسيا

قالت كاتيا بيغو، الباحثة في برنامج الأمن الدولي بـ Chatham House، إن ما يحدث اليوم يجسد نمطًا ثابتًا في العلاقة بين أوروبا وروسيا منذ عقود، فالمشكلة ليست فقط في الاستفزازات الروسية، بل في كيفية تعامل أوروبا معها، حيث تتحرك موسكو بسرعة بينما تتأخر أوروبا عن اتخاذ قرارات حاسمة، وتخوض نقاشات داخلية حول الخطوط الحمراء بدلاً من وضع قواعد واضحة.

أشارت بيغو إلى أن هذا التردد يسمح لروسيا بممارسة حرب هجينة تجمع بين الانتهاكات الجوية والهجمات السيبرانية والدعاية الإعلامية، فهي ليست مجرد اختراقات عسكرية، بل جزء من استراتيجية روسية لاختبار هشاشة الغرب وتفكيك وحدته، لذا يجب أن يكون الحل في بناء جبهة أوروبية متماسكة سياسيًا واقتصاديًا، فكل انقسام داخل الاتحاد أو بين الناتو والاتحاد الأوروبي سيستغله موسكو لصالحها.

ختمت بالقول إن التحدي أمام أوروبا اليوم لا يقتصر على حماية أجوائها، بل أيضًا في إثبات قدرتها على اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة دون خوف أو انقسام، فإذا فشلت في ذلك، ستزداد قوة روسيا بوصفها جبهتها بالكامل.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *