وسط ألسنة الفحم واللهيب المتعاظم للطموح، سطرت فتاة من الإسكندرية قصة كفاح ملهمة، حيث دمجت بين العمل الشاق والولاء لوالدها الذي كان دائمًا السند والإلهام الأول لها. لم تكتفِ بمشاهدة الأحداث من بعيد، بل شاركت بفاعلية في تفاصيل المهنة، وكسبت احترام الجميع ممن عملوا معها، ليُطلق عليها لقب “بنت أبوها” تقديرًا لالتزامها بالميراث المهني والإنساني لوالدها.
تُعد بسنت إبراهيم، التي تخرجت من كلية الخدمة الاجتماعية وتبلغ من العمر 28 عامًا، أولى الفتيات اللاتي يمتلكن محل مشويات في منطقة خليل حمادة بالإسكندرية. نشأت في عائلة يعمل أغلب رجالها في تجارة الدواجن والفحم، وتصف نفسها بأنها “الحفيدة الأخيرة لجدها”، الذي غرس في نفسها قيم الشغل والانضباط والصبر منذ الطفولة.
تقول بسنت خلال حديثها لـ«أخبار الآن برس» إن والدها لم يكن مجرد مراقب، بل كان شريكًا حقيقيًا في رحلتها، حيث علمها قيادة السيارة، وطريقة التعامل مع الفحم، وفتح لها آفاق التجربة في كافة جوانب المهنة، مؤكدة: “بابا كان شايفني قدّها، وثقته فيّا كانت سبب نجاحي”.
وتتابع أنها بدأت انطلاقتها من الصفر، حيث كان عمرها ست سنوات عندما بدأت بتدريب نفسها على إعداد الطعام باستخدام سلة طماطم فارغة، وتعلّمت كيف تتواصل مع الزبائن بأسلوب شيق ورثته عن جدها.
على الرغم من حصولها على الشهادة الجامعية، إلا أنها اختارت العمل اليدوي عن قناعة، وتخلت عن الوظائف المكتبية، مضيفة: “لقيت نفسي هنا، بين الفحم والناس والشغل الحقيقي”، مشيرة إلى أن والدها بات الآن فخورًا بها أكثر من أي وقت مضى.
ولم تكتفِ بالتجربة العملية، بل عززت مهاراتها بالدراسة الأكاديمية، إذ حصلت على شهادات في علم النفس، والاستشارات الأسرية والتربوية، والصحة النفسية، كما نالت درجة دكتوراه مصغرة في التنمية البشرية، مما ساعدها على فهم الزبائن والتفاعل معهم بأسلوب احترافي.
في ختام حديثها، وجهت بسنت رسالة تؤكد اعتزازها بنفسها وخياراتها الحرة، حيث قالت: «رغم حصولي على شهادات علمية، قررت بكامل إرادتي العمل في مجال المشويات، المكان الذي أحبه وأشعر بالانتماء إليه، ومن يرغب في الارتباط بي، عليه أن يقبلني كما أنا، من داخل المحل الذي يمثل جزءًا من هويتي وفخري».
أما والدها، فقد أعلن حرصه منذ البداية على مشاركتها في تفاصيل العمل، حيث قال: «هي كل ما أملك، رزقني الله بها، وكان من واجبي أن أعلّمها المهنة عن قرب، لأنها من ستتحمل المسؤولية من بعدي، وهي بالفعل جديرة بذلك».
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});