يشهد سوق الصرف في مصر حالة من الترقب والترقب، بعد التراجع النسبي في سعر الدولار خلال الأسابيع الأخيرة، مع توقعات بمزيد من الانخفاض في ظل تحسن موارد الدولة الدولارية، خاصةً بعد انتعاش الصادرات وعودة جزء من الاستثمارات الأجنبية، ومع تزايد الحديث حول إمكانية هبوط الدولار إلى ما دون مستوى 45 جنيهاً، تباينت الآراء حول جدوى هذا الانخفاض وتأثيره على الاقتصاد المحلي.
الدولار عند 45 جنيهاً
أوضح الدكتور هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، أن انخفاض الدولار بشكل حاد قد لا يكون في مصلحة الاقتصاد المصري في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن استقرار سعر الصرف عند مستويات بين 45 و50 جنيهاً هو السيناريو الأنسب لضمان التوازن بين دعم الصادرات والحفاظ على استقرار الأسعار، وقال إن السيناريو المنطقي في الفترة المقبلة يتمثل في استمرار التدفقات الأجنبية بنفس الزخم الحالي، بالإضافة إلى عودة إيرادات قناة السويس لمعدلاتها الطبيعية، وحل أزمة الغاز تدريجياً، مما سيسهم في استقرار سعر الدولار دون ضرورة التقلبات الحادة، وأضاف: “في هذا السياق، من الطبيعي أن نرى الدولار يتحرك حول مستوى 45 جنيهاً، وهو معدل متوازن ومقبول في ظل التحسن الاقتصادي المنتظر، لكن من غير المرجح أن تسمح الدولة بانخفاض الدولار عن هذا المستوى، لأن ذلك قد يؤثر سلباً على قطاعات اقتصادية هامة”.
لماذا ليس من مصلحة مصر هبوط الدولار؟
بيّن جنينة أن انخفاض الدولار لأقل من 45 جنيهاً قد يضر بالمصدرين والمستثمرين الذين ضخوا أموالاً كبيرة خلال الأشهر الماضية للاستفادة من سعر الصرف الحالي، مشيراً إلى أن العديد من المستثمرين بدأوا بالفعل في ضخ استثمارات كبيرة في قطاع التصدير، وبالتالي فإن انخفاض الدولار بشكل كبير يعني تراجع عائداتهم، مما قد يؤثر سلباً على النشاط الإنتاجي والتشغيلي داخل البلاد.
تدخل البنك المركزي لبناء الاحتياطي النقدي
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن البنك المركزي المصري سيتدخل في حال وجود تدفقات دولارية كبيرة قد تدفع السعر للنزول عن 45 جنيهاً، موضحاً أن البنك سيبدأ في شراء الدولار من السوق لبناء احتياطي نقدي قوي، ولفت إلى أن الاحتياطي الحالي، الذي يبلغ نحو 50 مليار دولار، هو مستوى جيد، لكنه غير كافٍ لدولة بحجم مصر، حيث نحتاج إلى رفعه إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار لتحقيق مستوى الأمان المالي المطلوب.
مقارنة مع كوريا الجنوبية
وأضاف جنينة أن مصر ينبغي أن تتطلع إلى تجارب الدول المشابهة من حيث عدد السكان والاقتصاد، قائلاً: “كوريا الجنوبية، مثلاً، لديها نحو 50 مليون نسمة، لكنها تمتلك احتياطي نقدي يقارب 300 مليار دولار، مع علمنا أن اقتصادها أكبر من مصر، وهذا يوضح الفارق الضخم في حجم الاحتياطي”.
بناء حائط صد واستقرار الأسعار
وشدد جنينة على أن رفع الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 100 مليار دولار سيشكل حائط صد قوي يحمي الاقتصاد من الصدمات، ويضمن استقرار السوق، واختتم قائلاً: “إذا استمرت التدفقات الأجنبية وارتفع الاحتياطي النقدي، فسنشهد استقراراً كبيراً في سعر الصرف، مع تراجع التضخم، واستفادة المواطن من تحسن القوة الشرائية، في ظل سعر دولار متوازن بين 45 و50 جنيهاً”.
