خلال جلسة حوارية مثيرة حول التغيرات في أسواق المال بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، طرحت تساؤلات حول تأثير التقلبات الاقتصادية وحالة عدم اليقين السائدة في الأسواق على الارتفاعات الحادة في أسعار الذهب عالمياً، بالإضافة إلى كيفية ارتباطها بانخفاض قيمة الدولار الأمريكي، وأجاب وائل زيادة، خبير المال والأسواق، بالقول إنه رغم التفاؤل الذي تبديه بعض المؤسسات بتوقع ارتفاع سعر الذهب إلى 6 آلاف دولار بحلول عام 2026، إلا أن هذا الرقم يبدو مبالغًا فيه، وبيّن قائلاً: «في رأيي، الذهب اليوم يشهد تضخماً في الأسعار، أنا مدرك تماماً للقوى الهيكلية التي دفعت الأسعار إلى هذا المستوى، مثل الحرب التجارية وحالة عدم اليقين العالمية، لكن يجب ألا ننسى أن الأسواق قد تأقلمت مع حالة عدم اليقين، وهذا يفسر تراجع مؤشر التقلبات (VIX) رغم استمرار المخاطر».
آثار المضاربات وعمليات الشراء الهيكلية
وأضاف زيادة خلال الندوة التي أقيمت ضمن فاعليات كايرو فورم، الذي نظمه المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن جزءًا كبيرًا من الارتفاع الحالي في أسعار الذهب نتج عن المضاربات المبالغ فيها وعمليات الشراء الهيكلية، التي تزامنت مع زيادة احتياطات البنوك المركزية من الذهب، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير متوازن، وتابع قائلاً: «عند النظر إلى الأساسيات، نرى أن ما يسمى بدعم الذهب، أي الكتلة النقدية (M2) عالمياً مقارنة بالاحتياطيات تحت الأرض وفوق الأرض، توفر لنا مؤشراً واضحاً على القيمة الحقيقية للذهب»، مضيفاً أن الأرقام تشير إلى أن الذهب، بالمقارنة مع السيولة النقدية العالمية المتاحة، مرتفع الثمن بشكل مبالغ فيه، مما يعني أنه سيواجه مقاومة شديدة عند هذه المستويات، ولا أرى أن الطريق إلى 5000 أو 6000 دولار للأوقية سيكون سهلاً بهذه الصورة.»
التفاؤل طويل الأمد بالذهب
قال كريم صوابيني، شريك ومدير محفظة في مون كابيتال: «لا أتفق معك في هذا، فعندي عاملان أساسيان يجعلانني متفائلاً جدا بالذهب على المدى الطويل، فالذهب لم يعد مجرد أداة تحوط ضد تراجع قيمة العملات الورقية، بل أصبح جزءًا من تحول هيكلي في النظام التجاري العالمي، وأضاف: «نرى اليوم المزيد من التجارة تتجه بعيدًا عن الدولار، وهذا ما يسمى بـ «اللادولرة»، كما يحدث في آسيا ومجموعة بريكس، مشيراً إلى أن شركة BHP، التي تعد من أكبر منتجي السلع في العالم، بدأت مؤخراً ببيع خام الحديد بعملة غير الدولار.
تحول النظام التجاري العالمي
وأضاف موضحاً: «إذا نظرنا إلى حجم التجارة في السلع، فهو يتجاوز حجم سوق الذهب بأكثر من عشرين مرة، لذا فإن التحول التدريجي بعيدًا عن الدولار سيحتاج إلى آلية موثوقة تدعمها كافة الأطراف، والذهب هو الخيار الطبيعي لهذا التحول».
الذهب كوسيلة جديدة للتجارة
واتفق معه إيهيزوجي بينيتي، الرئيس التنفيذي لشركة ريزيرف تكنولوجيز، قائلاً: «أشاركك الرأي في كوني متفائلاً بالذهب على المدى الطويل، فالقيمة النفعية للذهب تتغير تدريجياً، ليصبح ليس فقط أصلاً تخزينياً، بل أيضًا وسيلة محتملة للتجارة والدفع، مضيفاً أن التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة ستسهم في تغيير شكل النظام التجاري العالمي، قائلاً: «مع إدخال أدوات الدفع الذكية والأسواق المالية الرقمية، سيكون الذهب جزءاً قيماً للغاية من هذا النظام الجديد، وسينعكس ذلك على أسعاره».
النظرة التقليدية للذهب تتغير
من جانبه، قال الدكتور فاروق سوسة، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جولدمان ساكس، إن النظرة التقليدية إلى الذهب كأداة تحوط أو ملاذ آمن لم تعد هي المحرك الرئيسي لارتفاعاته في الوقت الحالي، موضحاً أن ما يقود السوق فعلياً هو فكرة «فك الدولرة»، وهناك رغبة متزايدة من الحكومات والمؤسسات في إيجاد وسائل لتخزين الثروة بعيداً عن الدولار، مما يجعل الذهب المستفيد الرئيسي من هذا الاتجاه.
تغيرات سريعة في النظرة تجاه الدولار
وأشار إلى أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب مؤخراً تمثل دليلاً قاطعاً على هذا التحول، وكل هذه المحركات طويلة الأجل لا ترتبط بمؤشر الخوف، مما أدى إلى قطع العلاقة الطردية بين مؤشر التقلب (VIX) وأسعار الذهب، وتابع: «إن التصور تجاه الدولار يتغير بسرعة، بل إنه يتسارع بفعل سياسات ترامب، سواء من خلال فرض التعريفات الجمركية أو استخدام العقوبات كأداة سياسية، مما يؤدي إلى رد فعل عكسي من الدول فيما يمكن تسميته بالجنوب العالمي، مما يدفعها لإعادة التفكير في كيفية إدارة احتياطياتها».
